هل كسرت الحرب الأخيرة سيف القدس؟
عمر كلاب
لم تتوقف صراعات العرب البينية منذ فجر التاريخ، دول تكره بعضها وقبائل تتربص لبعضها وميليشيات تنتشر بلا حساب، كلٌ شاهرٌ ما استطاع أن يعده من قوة ورباط خيول لم تتوقف عن الجري في ساحات المعارك, وحده الفلسطيني المحظوظ وسط هذه الأمة أن صراعه مع العدو الصهيوني، لكنه لم يشذ عن الأوركسترا العربية، فقد فتح صراعاً مع نفسه، ليؤكد انتماءه لهذه الأمة, وكأن الانتماء للامة مقرون بالفرقة والبغضاء والانقسام, حتى تحت حراب الاحتلال.
نهاية الاسبوع الماضي, شهدت حوارا, يناقش الحالة الفلسطينية, بعد حرب الايام الثلاثة, التي كشفت عن عمق الازمة الدائرة في فلسطين, كل فلسطين, من البحر الى النهر, فجماعة الخط الاخضر يعيشون اجواء فرقة حيال الانتخابات القادمة للكنيست, والضفة الغربية تعيش حالة استقطاب حاد بين مشاريع متناثرة, خلافة الرئيس محمود عباس, ومشاريع الكتائب الموحدة التي قادتها حركة الجهاد, ومشروع حماس الخاص, ومشاريع فتحاوية للعودة الى ما انقضى من مجد.
غزة ايضا تعيش حالة يصمت كثيرون عن تشخيصها, فهي تحت سلطة حماس التي تسعى لان تكتمل اركان سلطتها, تماما كما سلطة الضفة, فهي تقود التهدئة بكل قوة, وتركت الجهاد وحيدا في معركته الاخيرة لاسباب تبدو منطقية لفصيل غير حماس, فكل ما سمعناه من اطراف حمساوية, تبرر عدم المشاركة في المواجهة الاخيرة, لأن «الجهاد» ارادت المواجهة لحسابات ذاتية متمثلة في اعتقال الشيخ السعدي, ولكن جملة فلتت من احد الحاضرين, تحتاج الى مراجعة, والجملة تقول ان «الجهاد» خاضت المواجهة بدعم ايراني ولحسابات ايرانية.
لا اظن الجملة خرجت عفوا او لغايات التحليل واكتمال اركانه, بل كانت الغاية ان تقول «حماس» على لسان الاصدقاء, ان برنامجها فلسطيني كامل, ولا تتحرك الا وفق المواقيت الفلسطينية, وانها لا تنكر تحضيرها او استعدادها لحرب قادمة, حرب بكل اركانها وليست مواجهة فقط, ربما بعد عام او اكثر او اقل, لكن الحرب قادمة, ولن تنجر الى مواجهات صغرى, او مواجهات لحسابات فصائلية, حتى لو كان هذا الفصيل حليفا بحجم الجهاد الاسلامي, لكن اهداف الحرب حتى اللحظة مسكوت عنها حمساويا, فهل هي حرب تحريكية على غرار حرب اكتوبر لتكريس دولة غزة, ام ح?ب تحقق توازن الرعب وتفضي الى مسار جديد, يعمّق خسائر الاحتلال للوصول الى دولة فلسطينية؟
الحالة الفلسطينية القائمة من فرقة وانقسام لا تبشر بان الهدف دولة فلسطينية, فلا يعقل ان تكون الحالة الفلسطينية قائمة على عامودين فقريين, حماس وفتح, فهذا انهاك للجسد, وكل ثورة كان لديها رأسان او عامودان فقريان كان مصيرها الفشل, وامكانية الحسم العسكري لانهاء الانقسام غير موجودة, والكيان الصهيوني يكرس الفرقة والانقسام, والامة العربية لم تعد تتحدث عن انهاء الانقسام وتركض خلف التطبيع, وعلى ضفتي الانقسام نمت مصالح للفصيلين الرئيسين, لا يمكن القفز عنها, ولا يوجد امكانية فعلية لعودة الوحدة بضغط شعبي على غرار انتخاب?ت نزيهة او ربيع فلسطيني شعبي, والرهان ان يبتكر شعب الجبارين حلولا خارقة للمألوف, وهذا يحتاج الى بيئة حاضنة تقوم بداية على توفر احساس جمعي شعبي بضرورة كنس الفرقة والانقسام وكنس اسباب وجودهما, بعد ان تراجعت مكتسبات معركة سيف القدس على مساري توحيد الساحات وتوحيد المقاومة.